Selasa, 12 Juni 2012

كتاب : الطهارة وأسرارها والصلاة وما يتعلق بها


اعلم‏:‏ أن
وقد انتهى الأمر إلى قوم يسمون الرعونة (2) نظافة، فترى أكثر زمانهم يمضى فى تزيين الظواهر، وبواطنهم خراب محشوة بخبائث الكبر، والعجب ، والجهل، والرياء والنفاق ‏.‏ ولو رأوا مقتصرا فى الاستجمار على الحجر ، أو حافياً يمشى على الأرض ، أو من يصلى عليها من غير حائل، أو متوضأ من آنية عجوز، لأنكروا عليه أشد الإنكار ، ولقبوه بالقذر، واستنكفوا من مؤاكلته‏.‏
فانظر كيف جعلوا البذاذة ‏(3) التي هي من الإيمان قذارة، والرعونة نظافة، وصيروا المنكر معروفاً، والمعروف منكراً‏.‏ لكن من قصد بهذه الطهارة النظافة ولم يسرف فى الماء، ولم يعتقد أن استعمال الماء الكثير أصل الدين، فليس ذلك بمنكر، بل هو فعل حسن‏.‏ وليرجع فى معرفة الأنجاس والأحداث إلى كتب الفقه، فإن المقصود من هذا الكتاب الآداب‏.‏
وأما إزالة الفضلات فهي نوعان‏:‏
‏[‏النوع الأول‏]‏ ‏:‏ أوساخ تزال ، كالذي يجتمع فى الرأس من الوسخ والدرن، فيستحب تنظيفه بالغسل والترجيل (4)‏ والتدهين لإزالة الشعث ، وكذلك ما يجتمع فى الأذن من الوسخ يستحب إزالته‏.‏
ويستحب التسوك والمضمضة لإزالة ما على الاثنان واللسان من القلح (5) ،وكذلك وسخ البراجم ‏(6)‏ والدرن الذى يجتمع على جيمع البدن برشح العرق وغبار الطريق ، وذلك يزيله الغسل‏.‏ولا بأس بدخول الحمام، فانه أبلغ فى الإزالة، وقد دخله جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لكن على داخله صيانة عورته من نظر الغير إليها ولمسه إياها ‏.‏ وينبغى للداخل إليه أن يتذكر بحرارته حر النار، فان فكرة المؤمن لا تزال تجول فى كل شئ من أمور الدنيا فيذكر به أمور الآخرة ، لأن الغالب على المؤمن أمر الآخرة، وكل إناء ينضح بما فيه ‏.‏ ألا ترى أنه لو دخل إلى دار -معمورة- بَزَّاز، ونجار، وبناء، وحائك، رأيت البزاز ينظر إلى الفرش يتأمل قيمتها ، والحائك ينظر إلى نسج الثياب، والنجار ينظر إلى سقف الدار والبناء ينظر إلى الحائط، فكذلك المؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور، وإن رأى نعيماً تذكر نعيم الجنة، وإن رأى عذاباً ذكر النار‏.‏
ويكره دخول الحمام قريباً من الغروب وبين العشاءين ، فانه وقت انتشار الشياطين‏.‏
النوع الثاني من إزالة الفضلات‏:‏ أجزاء تحذف، مثل قص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظافر‏.‏ ويكره نتف الشيب، ويستحب خضابه‏.‏
وبأبقى مراتب الطهارة يأتى فى ربع المهلكات والمنجيات إن شاء الله تعالى‏.‏
وأما الصلاة فإنها عماد الدين وغرة الطاعات‏.‏ وقد ورد فى فضائل الصلاة أخبار كثيرة مشهورة، ومن أحسن آدابها الخشوع‏.‏
وقد روى عن عثمان ‏ رضى الله عنه ، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ‏:‏ “ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله “‏.
وله فى حديث أيضا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه “‏.
وقال ميمون بن مهران ‏:‏ ما رأيت مسلم ين يسار ملتفتاً فى صلاة قط، ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدتها، وإنه لفى المسجد يصلى فما التفت، وكان أهل بيته إذا دخل المنزل سكتوا، فإذا قام إلى الصلاة تكلموا وضحكوا‏.‏
وكان على بن الحسن رضى الله عنهما إذا توضأ اصفر لونه ، فقيل له ‏:‏ ما هذا الذى يعتادك عند الوضوء ‏؟‏ فقال‏:‏ أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم ‏؟‏
وأعلم‏:‏ أن للصلاة أركانا وواجبات وسنناً، وروحها النية والإخلاص والخشوع وحضور القلب، فان الصلاة تشتمل على أذكار ومناجاة وأفعال ، ومع عدم حضور القلب لا يحصل المقصود بالأذكار والمناجاة، لأن النطق إذا لم يُعِربُ عما فى الضمير كان بمنزلة الهذيان ، وكذلك لا يحصل المقصود من الأفعال، لأنه إذا كان المقصود من القيام الخدمة، ومن الركوع والسجود الذل والتعظيم، ولم يكن القلب حاضراً، لم يحصل المقصود، فان الفعل متى خرج عن مقصوده بقى صورة لا اعتبار بها ، قال الله تعالى‏:‏ {‏ لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ‏}‏ ‏[‏الحج ‏:‏ 37‏]‏ والمقصود أن الواصل إلى الله سبحانه وتعالى هو الوصف الذى استولى على القلب حتى حمل على امتثال الأوامر المطلوبة، فلا بد من حضور القلب فى الصلاة، ولكن سامح الشارع فى غفلة تطرأ لأن حضور القلب فى أولها ينسحب حكمه على باقيها‏.‏
حضور القلب كما ذكرنا ، ومعناه أن يفرغ القلب من غير ما هو ملابس له ، وسبب ذلك الهمة، فإنه متى أهمك أمر حضر قلبك ضرورة فلا علاج لإحضاره إلا صرف الهمة إلى الصلاة، وانصراف الهمة يقوى ويضعف بحسب قوة الإيمان بالآخرة واحتقار الدنيا، فمتى رأيت قلبك لا يحضر فى الصلاة، فاعلم أن سببه ضعف الإيمان، فاجتهد فى تقويته‏.‏
التفهم لمعنى الكلام فإنه أمر وراء حضور القلب، لأنه ربما كان القلب حاضراً مع اللفظ دون المعنى ، فينبغي صرف الذهن إلى إدراك المعنى بدفع الخواطر الشاغلة وقطع موادها، فان المواد إذا لم تنقطع لم تنصرف الخواطر عنها‏.‏
والمواد، إما ظاهرة‏:‏ وهى ما يشغل السمع والبصر، وإما باطنة ‏:‏ وهو أشد كمن تشعبت به الهموم فى أودية الدنيا، فإنه لا ينحصر فكره فى فن واحد، ولم يغنه غض البصر، لأن ما وقع فى القلب كاف فى الاشتغال به‏.‏
وإن كان من المواد الباطنة، فطريق علاجه أن يرد النفس قهراً إلى ما يقرأ فى الصلاة ويشغلها به عن غيره، ويستعد لذلك قبل الدخول فى الصلاة، بأن يقضى أشغاله، ويجتهد فى تفريغ قلبه ويجدد على نفسه ذكر الآخرة وخطر القيام بين يدي الله عز وجل وهول المطلع ، فان لم تسكن الأفكار بذلك ، فليعلم أنه إنما يتفكر فيما أهمه واشتهاه ، فليترك تلك الشهوات وليقطع تكل العلائق‏.‏
واعلم‏:‏ أن العلة متى تمكنت لا ينفعها إلا الدواء القوى، والعلة إذا قويت جاذبت المصلى وجاذبها إلى أن تنقضي الصلاة فى المجاذبة، ومثل ذلك كمثل رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره، وكانت أصوات العصافير تشوش عليه وفى يده خشبة يطيرها بها، فما يستقر فكره حتى تعود العصافير فيشتغل بها، فقيل له ‏:‏ هذا شئ لا ينقطع ، فإن أردت الخلاص فاقطع الشجرة، فكذلك شجرة الشهوة إذا علت وتفرقت أغصانها انجذبت أليها الأفكار كانجذاب العصافير إلى الأشجار والذباب إلى الأقذار ، فذهب العمر النفيس فى دفع ما لا يندفع ، وسبب هذه الشهوات التي توجب هذه الأفكار حب الدنيا‏.‏
قيل لعامر بن عبد قيس رحمه الله ‏:‏ هل تحدثك نفسك بشيء من أمور الدنيا فى الصلاة ‏؟‏ فقال‏:‏ لأن تختلف الأسنة في أحبُّ إلي من أجد هذا‏.‏
واعلم‏:‏ أن قطع حب الدنيا من القلب أمر صعب وزواله بالكلية عزيز، فليقع الاجتهاد فى الممكن منه ، والله الموفق والمعين‏.‏
وذلك يتولد من شيئين ‏:‏ معرفة جلال الله تعالى وعظمته،ومعرفة حقارة النفس وأنها مستعبدة، فيتولد من المعرفتين‏:‏ الاستكانة ، والخشوع‏.‏
ومن ذلك الرجاء ‏:‏ فانه زائد على الخوف ، فكم من معظم ملكاً يهابه لخوف سطوته كما يرجو بره‏.‏
والمصلى ينبغي أن يكون راجياً بصلاته الثواب، كما يخاف من تقصيره العقاب‏.‏
وينبغى للمصلى أن يحضر قلبه عند كل شئ من الصلاة، فإذا سمع نداء المؤذن فليمثل النداء للقيامة ويشمر للاجابة، ولينظر ماذا يجيب، وبأي بدن يحضر‏.‏ وإذا ستر عورته فليعلم أن المراد من ذلك تغطية فضائح بدنه عن الخلق ، فليذكر عورات باطنه وفضائح سره التي لا يطلع عليها إلا الخالق ، وليس لها عنه ساتر ، وأنها يكفرها الندم، والحياء، والخوف‏.‏
وإذا استقبل القبلة فقد صرف وجهه عن الجهات إلى جهة بيت الله تعالى، فصرف قلبه إلى الله تعالى أولى من ذلك ، فكما أنه لا يتوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها، كذلك القلب لا ينصرف إلى الله تعالى إلا بالانصراف عما سواه‏.‏إذا كبرت أيها المصلى، فلا يكذبن قلبك لسانك، لأنه إذا كان فى قلبك أكبر من الله تعالى قد كذبت ، فاحذر أن يكون الهوى عندك أكبر بدليل إيثارك موافقته على طاعة الله تعالى‏.‏ فإذا استعذت، فاعلم أن الاستعاذة هي لجأ الى لله سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك كان كلامك لغواً ، وتفهم معنى ما تتلو، وأحضر التفهم بقلبك عند قولك‏:‏ {‏الحمد لله رب العالمين‏}‏، واستحضر لطفه عند قولك ‏:‏ ‏{‏الرحمن الرحيم‏}‏، وعظمته عند قولك ‏:‏ ‏{‏مالك يوم الدين ‏}‏ ‏,‏ وكذلك فى جميع ما تتلو‏.‏
وقد روينا عن زرارة بن أبى أوفى رضى الله عنه أنه قرأ فى صلاته ‏:‏ ‏{‏ فإذا نقر فى الناقور‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏8‏]‏ فخر ميتاً، وما ذاك إلا لأنه صور تلك الحال فأثرت عنده التلف‏.‏
واستشعر فى ركوعك التواضع ، وفى سجودك الذل، لأنك وضعت النفس موضعها، ورددت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذى خلقت منه وتفهم منه معنى الأذكار بالدوق‏.‏
واعلم‏:‏ أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلب من الصدأ ، وحصول الأنوار فيه التي بها تتلمح عظمى المعبود، وتطلع على أسراره وما يعقلها إلا العالمون‏.‏
فأما من هو قائم بصورة الصلاة دون معانيها، فانه لا يطلع على شئ من ذلك بل ينكر وجوده‏.‏
وهى نحو من خمسة عشر‏:
وينبغى للساعى إلى الجامع أن يمشى بسكون وخشوع ، وينوى الاعتكاف في المسجد إلى وقت خروجه‏.‏
وقال أبو بكر الأثرم رحمه الله ‏:‏ لا تخلو هذه الأحاديث من وجهين ‏:‏ إما أن يكون بعضها أصح من بعض، وإما أن تكون هذه الساعة تنتقل فى الأوقات كتنقل ليلة القدر فى ليالي العشر‏.‏
وحديث أبى بن كعب قلت ‏:‏ يارسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعلك لك من صلاتي‏؟‏ قال‏:‏ ما شئت، قلت‏:‏ الربع ‏؟‏ قال ‏:‏ ما شئت وإن زدت فهو خير، قلت ‏:‏ النصف ، قال‏:‏ ما شئت، وإن زدت فهو خير، قلت‏:‏ الثلثين ، قال ‏:‏ ما شئت ، وإن زدت فهو خير، قلت ‏:‏ النصف، قال ما شئت ، وإن زدت فهو خير لك، قلت ‏:‏ أجعل لك صلاتي كلها، قال ‏:‏ إذاً تكفى همك‏.‏ ويغفر لك ذنبك‏"‏ أخرجه الترمذى ‏(‏2459‏)‏ وهو حديث صحيح خرجناه فى ‏"‏جلاء الأفهام فى الصلاة على خير الأنام‏"‏ لابن القيم طبع مكتبة دار البيان بدمشق ‏.‏ صفحة 45‏)‏‏)‏‏)‏‏.‏
وإن أحب زاد فى الصلاة عليه الدعاء له، كقوله ‏:‏ اللهم آت محمداًالوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، وابعثه المقام المحمود الذى وعدته، اللهم اجز نبينا عنا ما هو أهله “‏.‏
وليضف إلى الصلاة الاستغفار ، فانه مستحب فى ذلك اليوم‏.‏
وروى فى حديث آخر ‏:‏ أن من قرأها فى يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وفى الفتنة”‏.
ويستحب أن يكثر من قراءة القرآن فى يوم الجمعة، وأن يختم فيه أو فى ليلة الجمعة إن قدر‏.‏
ويستحب أن يصلى صلاة التسبيح فى يوم الجمعة‏.‏
اعلم ‏:‏ أن ما عدا الفرائض من الصلاة ثلاثة أقسام‏:‏
سنن، ومستحبات ،وتطوعات‏.‏
و
و
واعلم‏:‏ أن أفضل تطوعات البدن ‏:‏ الصلاة‏.‏
وأقسام النوافل وفضائلها مشهورة مذكورة فى كتب الفقه وغيرها ، لكن نذكر منها صلاة التسبيح، لأنها قد تخفى صفتها على بعض الناس‏.‏
فروى عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للعباس “ يا عماه ‏:‏ ألا أعطيك ، ألا أعلمك - وذكر الحديث إلى أن قال-‏:‏ “ تصلى أربع ركعات، تقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة فى أول ركعة وأنت قائم قلت ‏:‏ سبحان الله ، والحمد لله، ولا إله إلا الله ، والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك عن الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوى ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً ،ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً قبل أن تقوم ، فذلك خمس وسبعون ، تفعل ذلك فى أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل، ففى كل جمعة مرة، فإن لم تفعل، ففى كل شهر مرة ، فإن لم تفعل ففى كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففى عمرك مرة‏.‏
ولا يتطوع فى أوقات النهى بصلاة لا سبب لها كصلاة التسبيح، لأن النهى مؤكد فيها عن الصلاة، وهذه الأشياء ضعيفة فلا تقاومه‏.‏ وأما ما له سبب، كتحية المسجد، وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحوها، فعلى روايتين‏.‏
كتاب الزكاة وأسرارها
أما أنواع الزكاة، وأقسامها، وأسباب وجوبها، فظاهر مشهور في مظانه من كتب الفقه، وانما نذكر هاهنا بعض الشروط والآداب‏.‏
فمن الشروط أن يخرج المنصوص عليه ، ولا يخرج القيمة في الصحيح، فإن من أجاز إخراج القيمة إنما تلمح سد الخلة فقط، وسد الخلة ليس هو كل المقصود بل بعضه، فإن
الوظيفة الثانية‏:‏ الإسرار بإخراجها لكونه أبعد من الرياء والسمعة، وفى الإظهار إذلال للفقير أيضاً، فان خاف أن يتهم بعدم الإخراج أعطى من لا يبالى من الفقراء بالأخذ بين الجماعة علانية، وأعطى غيره سراً‏.‏
وإذا استحضر مع ذلك أن إخراجه للزكاة شكر لنعمة المال، فلا يبقى بينه وبين الفقير معاملة‏.‏ ولا ينبغي أن يحتقر الفقير لفقره، لأن الفضل ليس بالمال ولا النقص بعدمه‏.‏
الوظيفة الرابعة‏:‏ أن يستصغر العطية، فإن المستعظم للفعل معجب به ‏.‏ وقد قيل‏:‏ لا يتم المعروف إلا بثلاث ‏:‏ بتصغيره، وتعجيله، وستره‏.‏
وينبغى أن يلاحظ في ذلك أمرين‏:‏ أحدهما ‏:‏ حق الله سبحانه وتعالى بالتعظيم له، فانه أحق من اختير له، ولو أن الإنسان قدم إلى ضيفه طعاماً رديئاً لأوغر صدره‏.‏
والثاني‏:‏ حق نفسه، فان الذي يقدمه هو الذي يلقاه غداً في القيامة، فينبغي أن يختار الأجود لنفسه‏.‏
وكان ابن عمر رضى الله عنهما إذا اشتد حبه لشيء من ماله قربه لله عز وجل وروى ‏:‏ أنه نزل الجحفة وهو شاك ،فقال ‏:‏ إني لأشتهى حيتاناً، فالتمسوا له فلم يجدوا حوتا، فأخذته امرأته فصنعته ثم قربته إليه ، فأتى بمسكين، فقال ابن عمر رضى الله عنه‏:‏ خذه، فقال له أهله سبحان الله ، قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه، فقال‏:‏ إن عبد الله يحبه‏.‏
وروى أن سائلا وقف بباب الربيع بن خثيم رحمة الله عليه فقال‏:‏ أطعموه سكراً، فقالوا ‏:‏ نطعمه خبزاً أنفع له فقال‏:‏ ويحكم أطعموه سكراً، فإن الربيع يحب السكر‏.‏
وقد كان عامر بن عبد الله بن الزبير يتخير العباد وهم سجود، فيأتيهم بالصرة فيها الدنانير والدراهم، فيضعها عند نعالهم بحيث يحسون بها ولا يشعرون بمكانه، فقيل له‏:‏ ما يمنعك أن ترسل بها إليهم‏؟‏ فيقول‏:‏ أكره أن يتمعر وجه أحدهم إذا نظر إلى رسول أو لقيني‏.‏
الثانية ‏:‏ العلم، فإن في إعطاء العالم إعانة على العلم ونشر الدين، وذلك تقوية للشريعة‏.‏
الثالثة‏:‏ أن يكون ممن يرى الإنعام من الله وحده، ولا يلتفت إلى الأسباب إلا بقدر ما ندب إليه من شكرها ، فأما الذي عادته المدح عند العطاء، فانه سيذم عند المنع‏.‏
وهؤلاء لا يحصلون في شبكة الطالب إلا بعد البحث عنهم، وسؤال أهل كل محلة عمن هذه صفته‏.‏
الخامسة ‏:‏ أن يكون ذا عائلة ، أو محبوساً لمرض أو دين ، فهذا من المحصرين ، والتصدق عليه إطلاق لحصره‏.‏
السادسة‏:‏ أن يكون من الأقارب وذوى الأرحام، فإن الصدقة عليهم صدقة وصلة، ولك من جمع من هذه الخلال خلتين أو أكثر، كان إعطاؤه أفضل على قدر ما جمع‏.‏
لابد أن يكون آخذ الزكاة من الأصناف الثمانية، وعليه في ذلك وظائف‏.‏
‏[‏الوظيفة الثاني‏]‏ أن يشكر المعطى ويدعو له ويثنى عليه، وليكن ذلك بمقدار شكر السبب، فان من لم يشكر الناس لم يشكر الله ، كما ورد في الحديث‏.‏
ومن تمام الشكر أن لا يحتقر العطاء وإن قل، ولا يذمه، ويغطى ما فيه من عيب‏.‏ وكما أن وظيفة الُمعطي الاستصغار فوظيفة المعطى الاستعظام، وكل ذلك لا يناقض رؤية النعمى من الله عز وجل‏.‏ فإن من لا يرى الواسطة واسطة ، فهو جاهل ، وإنما المنكر أن يرى الواسطة أصلاً‏.‏
واختلف العلماء في قدر الغنى المانع من الزكاة، والصحيح فيه أن يكون له كفاية على الدوام، إما من تجارة، أو صناعة، أو أجر عقار، أو غير ذلك، وإن كان له بعض الكفاية أخذ ما يتممها، وإن لم يكن له ذلك أخذ ما يكفيه‏.‏
وليكن ما يأخذه بقدر ما يكفى سنته ولا يزيد على ذلك ، وإنما اعتبر بالسنة، لأنها
إذا ذهبت جاء وقت الأخذ، وإذا أخذ الأكثر منها ضيق على الفقراء‏.‏
منها‏:‏ ماروى البخاري من حديث ابن مسعود رضى الله عنه قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏ أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله‏؟‏ قالوا ‏:‏ يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال‏:‏ فإن ماله ما قدم ، ومال وارثه ما أخر‏"‏‏.
وفى الصحيحين ‏"‏من رواية أبى هريرة رضى الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالمن تصدق بعدل (2) "‏ ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه (3)‏(‏‏(‏أي المهر الصغير‏.‏ وقيل ‏:‏ الصغير من أولاد ذوات الحافر‏)‏‏)" "‏ حتى تكون مثل الجبل‏"‏‏.‏
وفى حديث آخر ‏:‏‏"‏ إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتقى ميتة السوء‏"‏‏.‏
وفى حديث آخر‏:‏ ‏"‏ تصدقوا فإن الصدقة فكاككم من النار‏"‏‏(4)
وعن بريدة رضى الله عنه قال ‏:‏ قال ‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏ ما يخرج أحد شيئاً من الصدقة حتى يفك عنه لحى سبعين شيطاناً‏"‏‏.
وروى أن راهباً تعبد في صومعة ستين سنة، ثم نزل يوماً ومعه رغيف، فعرضت له امرأة فتكشفت له ، فوقع عليها، فأدركه الموت وهو على تلك الحال، وجاء سائل فأعطاه الرغيف ومات ، فجئ بعمل ستين سنة ، فوضع في كفة وخطيئته في كفة، فرجحت بعمله، حتى جئ بالرغيف فوضع مع عمله ، فرجح بخطيئته‏.‏
وفى أفراد مسلم، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ‏:‏ ‏"‏ ما نقصت صدقة من مال ‏"‏‏.
وروى عن عائشة رضى الله عنها أنهم ذبحوا شاة فقال النبى صلى الله عليه وآلة وسلم ‏:‏ ‏"‏ ما بقى منها‏؟‏ فقالت : ما بقى منها إلا كتفها، فقال ‏:‏ ‏"‏ بقى كلها إلا كتفها‏"‏‏.‏