Selasa, 19 Juni 2012

كتاب الصوم وأسراره ومهماته وما يتعلق به


أعلم‏:‏ أن في الصوم خصيصة ليست فى غيره، وهى إضافته إلى الله عز وجل حيث يقول سبحانه ‏(1): ‏"‏ الصوم لى وأنا أجزى به‏"‏، وكفى بهذه الإضافة شرفاً ، كما شرف البيت بإضافته إليه فى قوله ‏:‏ ‏{‏ وطهر بيتي ‏}‏ ‏[‏الحج ‏:‏ 26‏]‏‏.‏ وإنما فضل الصوم لمعنيين‏:‏
أحدهما‏:‏ أنه سر وعمل باطن ، لا يراه الخلق ولا يدخله رياء‏.‏
الثاني‏:‏ أنه قهر لعدو الله، لأن وسيلة العدو الشهوات، وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب، وما دامت أرض الشهوات مخصبة، فالشياطين يترددون الى ذلك المرعى، وبترك الشهوات تضيق عليهم المسالك ‏.‏ وفى الصوم أخبار كثيرة تدل على فضله وهى مشهورة‏.‏
1ـ فصل فى سنن الصوم
يستحب السحور، وتأخيره، وتعجيل الفطر، وأن يفطر على التمر‏.‏
ويستحب الجود في رمضان، وفعل المعروف ، وكثرة الصدقة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏.‏
ويستحب دراسة القرآن ، والاعتكاف فى رمضان ‏:‏ لا سيما فى العشر الأواخر، وزيادة الاجتهاد فيه‏.‏
وفى ‏"‏الصحيحين‏"‏ من حديث عائشة رضى الله عنها قالت ‏:‏ كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر ‏[‏يعنى الأخير‏]‏، شد مئزره، وأحيا الليل، وأيقظ أهله‏.‏ وذكر العلماء في معنى شد المئزر وجهين‏:‏
أحدهما ‏:‏ أنه الإعراض عن النساء‏.‏
الثاني‏:‏ أنه كناية عن الجد والتشمير فى العمل ‏.‏ قالوا ‏:‏ وكان سبب اجتهاده فى العشر طلب ليلة القدر‏.‏
2ـ بيان أسرار الصوم وآدابه
وللصوم ثلاث مراتب ‏:‏ صوم العموم‏.‏ وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص‏.‏
فأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة‏.‏
وأما صوم الخصوص‏:‏ فهو كف النظر ، واللسان، واليد، والرجل ، والسمع ، والبصر، وسائر الجوارح عن الآثام‏.‏
وأما صوم خصوص الخصوص‏:‏ فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة، والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية، وهذا الصوم له شروح تأتى فى غير هذا الموضع‏.‏
من آداب صوم الخصوص‏:‏ غض البصر، وحفظ اللسان عما يؤذى من كلام محرم أو مكروه ، أو ما لا يفيد ، وحراسة باقي الجوارح‏.‏
وفى الحديث من رواية البخارى، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال ‏:‏ ‏"‏من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه ‏(2)(‏‏(‏المعنى أن الله لا يبالى بعلمه ولا ينظر إليه، لانه أمسك عما أبيح له فى غير وقت الصوم ولم يمسك عما حرم عليه فى سائر الأحايين‏)‏‏)‏ ‏"‏
ومن آدابه ‏:‏ أن لا يمتلئ من الطعام فى الليل، بل يأكل بمقدار ، فانه ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن‏.‏ ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه فى باقيه، وكذلك إذا شبع وقت السحر لم ينتفع بنفسه إلى قريب من الظهر، لأن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور، ثم يفوت المقصود من الصيام بكثرة الأكل ، لأن المراد منه أن يذوق طعم الجوع، ويكون تاركا للمشتهى‏.‏
فأما صوم التطوع، فاعلم أن استحباب الصوم يتأكد فى الأيام الفاضلة، وفواضل الأيام بعضها يوجد فى كل سنة، كصيام ستة أيام من شوال بعد رمضان، وكصيام يوم عرفة، ويوم عاشوراء، وعشر ذي الحجة، والمحرم‏.‏وبعضها يتكرر في كل شهر، كأوله، وأوسطه ، وآخره، فمن صام أول الشهروأوسطه وآخره فقد أحسن ‏.‏ غير أن الأفضل أن يجعل الثلاثة أيام البيض‏.‏
وبعضها يتكرر في كل أسبوع وهو يوم الاثنين، ويوم الخميس‏.‏وأفضل صوم التطوع صوم داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وذلك يجمع الثلاثة معان‏:‏
أحدها‏:‏ أن النفس تعطى يوم الفطر حظها، وتستوفى فى يوم الصوم تعبدها، وفى ذلك جمع بين ما لها وما عليها، وهو العدل
والثاني‏:‏ أن يوم الأكل يوم شكر، ويوم الصوم يوم صبر، والإيمان نصفان ‏:‏ شكر وصبر‏.‏
والثالث‏:‏ أنه أشق على النفس من المجاهدة، لأنها كلما أنست بحالة نقلت عنها‏.‏ فأما صوم الدهر‏:‏ ففى أفراد مسلم من حديث أبى قتادة رضى الله عنه أن عمر رضى الله عنه سأل النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال ‏:‏ كيف بمن يصوم الدهر كله‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏ لا صام ولا أفطر أولم يصم ولم يفطر‏"‏ وهذا محمول على سرد الصوم فى الأيام المنهي عن صيامها‏:‏ فأما إذا أفطر يومي العيدين وأيام التشريق فلا بأس بذلك‏.‏فقد روى عن هشام بن عروة رحمه الله أن أباه كان يسرد الصوم، وكانت عائشة رضى الله عنها تسرد‏.‏وقال أنس بن مالك رضى الله عنه ، سرد أبو طلحة الصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين عاماً‏.‏
واعلم‏:‏ أن من رزق فطنة، علم المقصود بالصوم، فحمل نفسه قد ما لا يعجزه عما هو أفضل منه‏.‏
فقد كان ابن مسعود قليل الصوم، وكان يقول ‏:‏ إذا صمت ضعفت عن الصلاة وأنا أختار الصلاة على الصوم‏.‏وكان بعضهم إذا صام ضعف عن قراءة القرآن، فكان يكثر الفطر حتى يقدر على التلاوة، وكل إنسان أعلم بحاله وما يصلحه ‏ ‏.‏
خامساً كتاب الحج وأسراره وفضائله وآدابه ونحو ذلك
ينبغي لمن أراد الحج أن يبدأ بالتوبة، ورد المظالم، وقضاء الديون ، وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع، ويرد ما عنده من الودائع ‏.‏
ويستصحب من المال الحلال ما يكفيه لذهابه ورجوعه من غير تقتير، على وجه يمكنه معه التوسع بى الزاد، والرفق بالفقراء‏.‏ويستصحب ما يصلحه كالسواك ، والمشط والمرآة، والمكحلة‏.‏ويتصدق شئ قبل خروجه وإذا اكترى فليظهر للجمال كل ما يريد أن يحمله من قليل وكثير‏.‏ وقد قال رجل لابن المبارك‏:‏ احمل لى هذه الرقعة إلى فلان‏.‏ فقال‏:‏ حتى أستأذن الجمال‏.‏ وينبغى أن يلتمس رفيقا صالحاً محباً للخير معيناً عليه، إن نسى ذكره ، وإن ذكر أعانه، وإن ضاق صدره صبره‏.‏
وليؤمر الرفقاء عليهم أحسنهم خلقاً، وأرفقهم بالأصحاب ، وإنما احتيج إلى التأمير لأن الآراء تختلف، فلا ينتظم التدبير، وعلى الأمير الرفق بالقوم ، والنظر في مصالحهم، وأن يجعل نفسه وقاية لهم‏.‏
وينبغى للمسافر تطيب الكلام، وإطعام الطعام، وإظهار محاسن الأخلاق، فإن السفر يخرج خفايا الباطن، ومن كان في السفر آذى هو مظنة الضجر حِسنَ الخلق، كان في الحضر أحسن خلقاً‏.‏
وقد قيل ‏:‏ إذا أثنى على الرجل معاملوه بى الحضر ورفقاؤه في السفر فلا تشكوا في صلاحه‏.‏
وينبغى له أن يودَّع رفقاءه وإخوانه المقيمين، ويلتمس أدعيتهم ، ويجعل خروجه بكرة يوم الخميس، وليصل بى منزله ركعتين قبل الخروج منه ويستودع أهله وماله، ويستعمل الأدعية والأذكار والمأثورة عند خورجه من منزله، وفى ركوبه ونزوله، وهى مشهورة صفى كثير من الكتب في مناسك الحج، وكذلك جميع المناسك من الإحرام، والطواف والسعى، والوقوف بعرفة، وغير ذلك من أعمال الحج يأتى فيها بما ذكر من الأذكار والدعوات والآداب ، وكل ذلك مستوفى في كتب الفقه وغيرها، فليطلب هناك‏.‏
1ـ فصل في الآداب الباطنة والإشارة إلى أسرار الحج‏.
اعلم ‏:‏ أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتجرد والانفراد لخدمته، وقد كان الرهبان ينفردون في الجبال طلباً للأنس بالله، فجعل الحج رهبانية لهذه الأمة‏.‏
فمن الآداب المذكورة، أن يكون خالياً في حجه من تجارة تشغل قلبه وتفرق همه، ليجتمع على طاعة الله تعالى، وأن يكون أشعث أغبر، رث الهيئة، غير مستكثر من الزينة‏.‏
وينبغى أن يتجنب ركوب المحمل إلا من عذر، كمن لا يستمسك على الزاملة (1)
فإن النبى صلى الله عليه وآله وسلم حج على راحلة وتحته رحل رث‏.‏
وفى حديث جابر رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إن الله عز وجل يباهى بالحاج الملائكة فيقول‏:‏ انظروا إلى عبادى ، أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، أشهدكم أنى قد غفرت لهم‏"‏‏.
وقد شرف الله تعالى بيته وعظمه، ونصبه مقصداً لعباده، وجعل ما حوله حرماً له تفخيماً لأمره، وتعظيماً لشأنه، وجعل عرفة كالميدان على فنائه‏.‏
واعلم ‏:‏ أن في كل واحد من أفعال الحج تذكرة للمتذكر، وعبرة للمعتبر‏.‏
فمن ذلك ‏:‏ أن يتذكر بتحصيل الزاد زاد الآخرة من الأعمال، وليحذر أن تكون أعماله فاسدة من الرياء والسمعة فلا تصحبه ولا تنفعه، كالطعام الرطب الذي يفسد في أول منازل السفر ، فيبقى صاحبه وقت الحاجة متحيراً ، فإذا فارق وطنه ودخل البادية وشهد تلك العقبات ، فليتذكر بذلك خروجه من الدنيا بالموت إلى ميقات القيامة وما بينهما من الأهوال‏.‏
ومن ذلك‏:‏ أن يتذكر وقت إحرامه وتجرده من ثيابه ، إذا لبس المحرم الإحرام لبس كفنه، وأنه سيلقى ربه على جزى مخالف لزي أهل الدنيا، وإذا لبى فليستحضر بتلبيته إجابة الله تعالى إذ قال‏:‏ ‏{‏ وأذن في الناس بالحج }‏ ‏[‏ الحج ‏:‏27 ‏]‏،وليرج القبول، وليخش عدم الإجابة ، وكذلك إذا وصل إلي الحرم ينبغي أن يكون الرجاء غالباً ، لأن الكرم عميم، وحق الزائر مرعى، وذمام المستجير لا يضيع‏.‏
ومن ذلك ‏:‏ إذا رأى البيت الحرام استحضر عظمته في قلبه، وشكر الله تعالى على تبليغه رتبة الوافدين إليه ، وليستشعر عظمة الطواف به ، فإنه صلاة، ويعتقد عند استلام الحجر أنه مبايع لله على طاعته ، ويضم إلى ذلك عزيمته على الوفاء بالبيعة، وليتذكر بالتعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم لجأ المذنب إلى سيده وقرب المحب‏.‏
وأنشد بعضهم في ذلك‏:‏
ستور بيتك نيل الأمن منك وقد علقتها مستجيراً أيها الباري
وما أظنك لما أن علقت بها خوفاً من النار تنجيني من النار
وها أنا جار بيت أنت قلت لنا حجوا إليه وقد أوصيت بالجار
ومن ذلك ‏:‏ إذا سعى بين الصفا والمروة، ينبغي أن يمثلها بكفتي الميزان، وتردده بينهما شفى عرصات القيامة، أو تردد العبد إلى باب دار الملك، إظهاراً لخلوص خدمته ، ورجاء الملاحظة بعين رحمته ، وطمعاً في قضاء حاجته‏.‏
وأما الوقوف بعرفة‏:‏ فاذكر بما ترى فيه من ازدحام الخلق، وارتفاع أصواتهم واختلاف لغاتهم موقف القيامة، واجتماع الأمم في ذلك الموطن ، واستشفاعهم‏.‏
فإذا رميت الجمار‏:‏ فاقصد بذلك الانقياد للأمر، وإظهار الرق والعبودية، ومجرد الامتثال من غير حظ النفس‏.‏
وأما المدينة‏:‏ فإذا لاحت لك فتذكر أنها البلدة التي اختارها الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وشرع إليها هجرته، وجعل فيها بيته، ثم مثل في نفسك مواضع أقدام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند تردده فيها ، وتصور خشوعه وسكينته، فإذا قصدت زيارة القبر ، فأحضر قلبك والهيبة له، ومثل صورته الكريمة في خيالك، واستحضر عظيم مرتبته في قلبك، ثم سلم عليه، واعلم انه عالم بحضورك وتسليمك، كما ورد في الحديث‏.‏